القائمة الرئيسية

الصفحات

اخر الاخبار

بقلم ✍️محمد عبد اللوي

متاهة الحياة العجيبة؛ طاحونة تجعلك تلُّف داخل تخومها، تعصِرك لِحدِّ الهُزال، تُصيبك بانقباضٍ في كامل أطرافك، وتحملك على هزّ أشواك الحياة الثقيلة...لكن ليس هذا موضوع فكرتنا، الأمر أهم وأعمق من ذلك بكثير، فيه اختلط الحابل بالنّابل، وتشابهت الصور حتى لم تعد للعين قدرة على معرفة الحقيقيّ من المزيّف، والمُلَّون من الباهت، و الواقعيّ من الخيالي...هي قصة قلبٍ تقاذفته أمواج المشاعر، وأسقته مُرّها وحُلوها، خيرها وشرَّها، عَسلها وعَلقمها...حتَّى ظنَّ ذلك القلب أن لا مخرج ولا مفر، وأنّ المواجهة هي السبيل لانعتاقه من عبوديّة الشعور و قهر النّدم وحُرقة القرار؛ ذاك القرار الذي جعله حَبيس نفسه، حبيس تلك اللَّحظة التي تَلّفَظ بقناعاته وتراكُمات حياته، بل أكثر من ذلك صار يفكّر بدل المرة ألفًا، ويخلط بين النّهار واللّيل، والصبح والمساء، و الأكثرُ من ذلك بين الحب والصداقة، بين البُعد والاقتراب، بين الاهتمام والتّجاهل أو عدم الاكتراث...تتعدّد المُسميات والمعنى واحد، قافلةٌ من العواطف المُلخبطة، و أسرابٌ من الأسئلة الدّاكنة المَمْلوءة خوفًا ورهبةً... نسأل أنفسنا أحيانًا ونعيد السؤال مرارًا وتكرارًا، هل الراحة في البُعد الذي يتبعه حزنٌ وقهرٌ؟!، أم الراحة في البقاء على جنب، كَمُحارب لا يعلم كيف يموت، وبأيّ أرض سيموت!!
أحيانا يغدو الشعور رسمًا على الهواء، أو نقشًا فوق بِساط الريح، وتصير جميع الأحاسيس أشواكًا تنغُزُك من الداخل، وتُرديك قتيلها دون دمٍ أو روحٍ، مجرد خيالات لنفسك، وللشخص الذي خسرته أو الذي تحارب الدنيا لأجل ألا تخسره، 
" حَياتُنا بينَ مفقودٍ لم يُحبَّنا، وبينَ محبوبٍ فقدناه" ، فتظلُّ توهم نفسك أنّك الرابح في هذه المعادلة الفارغة، أو بالمعنى الرياضيّ -مجموعة فارغة- فلا شيء أسوء من أن تقول عكس ما تفكّر فيه، وأن تفعل ضدّ ما تريده، وتعاقب نفسك وأنت كامل الرضى والقناعة؛ قناعةً مزيّفةً طبعا لكي لا ترفع الراية البيضاء فقط، وتظلُّ كقرصان عاش كلَّ حياته يحارب لكي يقنع نفسه، أنّ القرصنة عملٌ شريفٌ، وشغفٌ نظيفٌ. 

أسوء شعور للشخص أن يتحالف مع الحياة ضدّ نفسه، لكي لا يخسر حياته وبهجته وبالونته البنفسجيّة، أن يظل في المنتصف، لا هو بالعدوِّ الشجاع، ولا بالصَديق الأمين، بَينَ بيْن، أنصاف أشياء، وأحيانًا أنصاف شعور تدخل فيما بعضها البعض، حتى تنسج لوحةً خرافيّةً تُشبه قصة فلّة والأقزام السبعة، أو ثمانية، لا أعلم المهم هو أنّني أحب هذا الرقم، وأعتبره رقم حظي أو ربما نحسي، المهم هو أن لا عدل في هذه الحياة، إذا ما أعطتك شيئا، أخذت منك أشياء، فلا هي بالعدوِّ الشريف ولا بالحَكم العادل، تسلُبك روحك ونفسك، ونجمك الذي يضيء لك الطريق، ويجعلك تُحس بحُلْو الحبيب والصديق، بل تَخنقك وتُرغمك على إفلات كل عزيز عليك؛ وذلك لا يعني بالضَّرورة الابتعاد عنه، يكفي أن يُعيدك أو تُعيده غريبا رغمًا عن أنفكما، أو تتعامل معه على أساس أنك لا تربطك به أيّ علاقة ، أو لم تكن بينكما علاقةٌ مقدّسةّ وذكرياتٌ ملّونةٌ، وأسرارًا عميقةً عُمق بئر يوسف، الذي ينتظر بعض السيَّارة لكي يحملوه إلى صاحبه، ويحفظوه من خطر الوشاية أو الضَّياع، لعلّه يصير عزيز حبيبه يوماً ما.