ن
فتحت عينيها لتجد نفسها في غرفة بيضاء وحدها, ترتدي قميصا أبيض طويل ,وتستلقي على سرير, أخذت تدير عينيها في الغرفة لعلها تتذكر أين هي أو متى جاءت إلى هنا و لكن بلا جدوى , توجهت نحو باب الغرفة لتفتحه , لكنه لا يفتح ! أخذت تطرق على الباب بكلتا يديها في انفعال شديد وهي تصرخ بأعلى صوتها:" أخرجوني من هنا !!!!" , سمعت صوت خطوات قادمة نحوها في سرعه, ثم فتح الباب ودخل رجل وهو يقول في عصبيه :" إهدئي يا آنسه نيهال أرجوكي !", ثم أخرج رأسه خارج الغرفة و أخذ ينادي:" هيا يا بسمه أحضري الإبرة بسرعه!" صرخت نيهال:" ماذا تقول ؟ لن آخذ أي إبر قبل أن أعرف أين أنا ؟ ولماذا أنا هنا ؟" , دخلت بسمة إلى الغرفة مسرعة و بحوزتها حقنة طبيه ,و قام الرجل بتقييد نيهال لتتمكن بسمه من حقنها وهي تقاوم بكل ما أوتيت من قوه , صاح الرجل :" أسرعي يا بسمه!" , قاطعه صوت من خارج الغرفة:" توقف يا راضي!!" , ثم دخل إلى الغرفة مسرعا رجل يبدو من هيئته أنه طبيب , أمر راضي وبسمه بالانصراف في الحال, ثم ساعد نيهال على الاستلقاء على السرير, وكانت منهكة للغاية , قال لها:" اهدئي و استرخي و سأخبرك بكل ما تودين معرفته , أنا دكتور سليم رأفت المشرف على علاجك!", رفعت حاجبيها في دهشة قائلة:" علاجي؟؟ من ماذا؟؟ وكيف أتيت إلى هنا و متى؟" نظر إليها في تفحص قائلا :" ألا تذكرين ماذا فعلتي قبل مجيئك إلى هنا ؟؟" مطت شفتيها في تعجب :" لا أتذكر شيئا!", اعتدل في جلسته ثم قال لها:" حسنا يا نيهال ,أريدك الآن أن تغمضي عينيك و تحكي لي ما شئت , أخبريني بأي شيء تتذكرينه , حدثيني عن طفولتك مثلا ".
أغمضت عينيها وبدأت تتحدث:"
كان أبي و أمي دائما الشجار, حتى قررا الانفصال و أنا في السابعة من عمري, ثم تابع كل منهما حياته و تزوج و رزق بأطفال, و كنت أنا مشكلتهم التي طالما تمنيا الخلاص منها , تركوني عند جدتي التي لازالت تعيش في الستينات و كأنها خارج الزمن , لا زالت تستمع إلى الراديو كل يوم صباحا و تشاهد الأفلام القديمة و تريدني أن أعيش معها في ذلك الزمن الذي قررت عدم الخروج منه حتى الآن, كرهتهم جميعا , لا أحد يكترث لأمري , كنت وحيدة دائما في مدرستي ليس لي أصدقاء , لا أحد يحبني أو يحاول الاقتراب مني, حتى المدرسين كانوا يلومونني دوما على جميع الأخطاء التي ارتكبتها و التي لم أفعل, حتى دخلت إلى الجامعه , كنت سعيدة جدا بابتعادي عن المدرسه, ولدي أمل في تكوين صداقات جديده مع أناس لم يعرفوني من قبل, لكن سرعان ما تبدد هذا الأمل , فقد وجدت نفسي وحيدة مجددا , منبوذة من الجميع كما اعتدت أن أكون طيلة حياتي, كرهتهم جميعا و خصوصا أمل!" , نظر إليها دكتور سليم عند ذكرها اسم أمل في اهتمام بالغ قائلا:" و لماذا أمل بالذات ؟ ماذا فعلت لكي بالضبط؟", فتحت عينيها وبدت عليها علامات الغضب ثم تابعت:
" لديها كل شئ تمنيته ,جميله , محبوبة من الجميع , لديها أصدقاء لا حصر لهم, يحدثها والداها باستمرار للإطمئنان عليها , و يأتي أخوها لاصطحابها إلى المنزل كل يوم يمازحها و يحمل أغراضها, تنظر إلي طيلة الوقت بشماتة عجيبة و كأنها تقرأ ما بداخلي و تسخر مني لأجله, ذات مرة مرت من أمامي وسط أصدقائها و أنا جالسة وحيده , رمقتني بنظرات الشماتة وسخرت مني أمام الجميع وهي تسألني أين أصدقاؤك , لم أعطيها الفرصة لتتابع و انصرفت يومها إلى المنزل في الحال! , وفي يوم آخر دخلت إلى المحاضرة متأخرة فاستقبلني الدكتور بوابل من السخرية جعل الجميع يضحكون مني و يستهزئون بي ,لكني لم أهتم لأي منهم فقط ظللت أراقب أمل وهي تضحك معهم و تشير إلي بيدها بمعنى انتظري فأنت لم تري شيئا بعد
اعتدت أن أجلس في غرفتي لساعات طويلة ,أنظر في المرآة بلا حراك , لا أشعر بالوقت و أنا جالسة أراقب نفسي و أتأمل خيبة أملي و هي تظهر واضحة جلية على ملامح وجهي, لكني بدأت أشعر بشيء غريب عندما أكون غاضبه, أشعر بأن هناك نار تشتعل في جسدي شيء ما يحاول السيطرة علي و الخروج وأنا أقاومه, كنت اركض نحو سريري من شدة الخوف عندما أشعر به, وذات يوم وبينما أنا أسير مسرعة للدخول إلى قاعة المحاضرات , تعثرت قدمي وسقطت على الأرض, و كالعادة سخر الجميع مني ووقفوا يضحكون ,ومن بينهم أمل التي وقفت تنظر إلي في شماتة, ثم تقدمت نحوي ومدت إلي يدها ,ظننت أنها تريد مساعدتي على النهوض فأمسكت بيدها ,لكنها أفلتتني عمدا فاختل توازني و سقطت على الأرض ثانية , شعرت بالغضب يشتعل بداخلي و كأن خلايا جسمي كلها تحترق في وقت واحد , وذلك الشيء الغريب يحاول الخروج لكني لم أقاومه هذه المرة , وجدت نفسي أقف بسرعة عجيبه و أصرخ بصوت لم أسمع مثله سابقا في حياتي!! ثم أظلم كل شيء و لا أذكر أي شيء بعد ذلك على الإطلاق!!!!!