بقلم د. أحمد عبدالخالق
تتصاعد أهمية التقنيات الحيوية والنانوية معاً في العصر الحديث، وينادي العديد من الباحثين والمهتمين بضرورة توظيفها في الزراعة الحديثة، حيث يلتقي الابتكار العلمي مع الحاجة المُلِحّة إلى حماية المحاصيل وتقليل الخسائر الناتجة عن الأمراض النباتية. وفي هذا الإطار، فإن المجتمع اليوم في أمسّ الحاجة إلى حلول مبتكرة لمكافحة المسببات المرضية النباتية التي تهدد الأمن الغذائي، ولا سيما الفيروسات التي تُعَد من أصعب المسببات وأكثرها إضراراً بالمحاصيل الزراعية، والتي شكّلت على الدوام تحدياً كبيراً لخبراء وقاية النبات والمزارعين على حد سواء. وفي الوقت الذي تفتقر فيه المكافحة الكيميائية إلى وسائل فعّالة ضد الفيروسات، تبرز التقنيات النانوية، وبخاصة الجسيمات النانوية المُخلَّقة بيولوجياً، والتي حظيت باهتمام واسع بعد أن أظهرت قدرتها على تثبيط نمو بعض المسببات المرضية النباتية وتعزيز آليات المقاومة في النباتات، مما جعلها خياراً واعداً يجمع بين الكفاءة البيولوجية والاعتبارات البيئية. ومن الجدير بالذكر أن الجسيمات النانوية هي مواد متناهية الصغر يتراوح قطرها بين 1 و100 نانومتر، مما يمنحها خصائص فيزيائية وكيميائية فريدة. وعندما يتم تخليقها باستخدام كائنات حية مثل البكتيريا أو الفطريات أو المستخلصات النباتية، فإنها تكون أقل سمّية وأكثر توافقاً مع البيئة مقارنة بالطرق الكيميائية التقليدية.
في هذا السياق على المستوى العملي والتجريبي، ركزت العديد من أبحاثنا ودراساتنا المنشورة حديثًا على دور الجسيمات النانوية مثل جسيمات الفضة وأكسيد الزنك والنحاس، المخلَّقة بيولوجياً، كمضادات فيروسية نباتية. ولقد أكدت النتائج التي أجريت على العديد من المحاصيل مثل الطماطم والكوسة والفول والبطاطس، على أن تلك الجسيمات النانوية لديها القدرة على تقليل تراكم الفيروسات وتثبيطها داخل الأنسجة النباتية، فضلاً عن تخفيف الأعراض الظاهرية على النباتات المصابة وتحسين نموها. كما أظهرت قدرتها على تنشيط الأنظمة الدفاعية لتلك النباتات، مثل تعزيز نشاط الإنزيمات المضادة للأكسدة وزيادة التعبير الجيني لبروتينات المقاومة وتحفيز انتاج المركبات البولي فينولية، إلى جانب انخفاض مستويات الإجهاد التأكسدي وهي استجابات تجعل النبات أكثر صموداً ومقاومة أمام العدوى الفيروسية. كما نُشرت مراجعات حديثة تؤكد أن جسيمات النانو كمادة، إذا صيغت وطبقت بصورة صحيحة، قد تكون جزءاً من سياسة متكاملة لإدارة المسببات المرضية النباتية مع الأخذ في الاعتبار ضرورة مواصلة العمل على آليات الكشف السريع لمستويات بقايا المعادن النانوية في التربة والمحاصيل كجزء من تقييم شامل لبعض المخاطر البيئية أو السمية علي الخلايا النباتية.
في النهاية، إن الجمع بين معرفة كيفية استغلال مواردنا الطبيعية والبحث التكنولوجي المتقدم قد يُطلق مرحلة جديدة من «الزراعة النانوية الحيوية» في مصر والتي تتيح تقليلاً للفاقد والمحافظة على الأمن الغذائي بأساليب أكثر استدامة وأقل أثراً على البيئة. وفي ضوء هذه التطورات وتلك التوجهات التي تأتي في إطار استراتيجية وطنية أوسع نحو الزراعة المستدامة وتقليل الأثر البيئي للمدخلات الزراعية، يمكن القول إن الجسيمات النانوية المخلَّقة بيولوجياً قد تتحول خلال الأعوام القادمة إلى ركيزة أساسية في إستراتيجيات المكافحة البيولوجية للفيروسات النباتية. وإذا ما استمر الدعم البحثي والتطبيقي، فإن الزراعة المصرية والعالمية قد تدخل مرحلة جديدة قوامها التكنولوجيا النظيفة التي توازن بين الإنتاجية العالية والحفاظ على البيئة.