كتب: د/عادل سالم محمد
مثل شعبي وهو من الأمثلة المستوحاة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري. وللمثل قصتين، الأولى وردت في شرح الحديث في كتب السيرة.. وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الحديث عندما ظفر بأبي عزة القرشي الشاعر بعد غزوة أحد، وقد عفا عنه حينما أُسره في غزوة بدر، وتعهد أن لا يقاتل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يحرض على قتاله بشعره، ولكنه نقض عهده الذي قطعه للنبي واشترك مع قريش في قتال المسلمين في غزوة أحد ، وتعهد للنبي أن لا يفعل ذلك مرة أخرى رغم أنه نقض العهد في المرة السابقة،ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم بقتله، وقال : " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين "
والقصة الثانية من قصص الأدب الشعبي والتي تحذر من الوقوع في الغفلة ومن وعود المحتالين،
والقصة هي:
أصاب الجوع الأسد فأمرَ الثعلبِ بتدبيرِ طعامِ لهُ،
وإنْ لمْ يفعلْ كانَ هوَ طعام اليوم،
فقالَ الثعلبُ: حالاً يا مولايَ أدبرَ لكَ مأدبةٌ عظيمةٌ. انصرف الثعلبُ يبحثُ عنْ فريسةٍ تطاوعهُ للمثولِ أمام الأسدِ، فلمْ يجدْ أفضلَ منْ الحمارِ ضحيةً، ذهبَ الثعلبُ للحمارِ، وَأَثْنِي عليهِ وقالَ لهُ: لقدْ قررَ الأسدِ أنْ تخلفه في إمارةِ الغابةِ، فأنتَ أهلُ لها ولا يوجدُ من يستحق هذا المنصب سواكَ.
قالَ الحمارُ أنا ملكٌ للغابةِ؟ قالَ الثعلبُ :
ومنْ يَسْتَحِقّ الملكُ سواكَ؟ هيا يا صديقي نذهبُ للأسدِ لتتوليْ مقاليد الملكِ .
أعجبَ الحمارُ بالمنصبِ وتخيلِ نفسهِ بالتاجِ وهوَ يأمرُ وينهي بينَ الجميعِ، أزدادُ شوقه وقامَ مسرعا معَ الثعلبِ لمقابلةِ الأسدِ. وقفُ الحمارِ أمام الأسدِ وهوَ سعيدٌ يبتسمُ فخورٌ بنفسهِ، وَمَدَّ الأسدِ يديهِ نحوَ الحمارِ فقطعَ أذنيهِ، هربَ الحمارُ وهوَ ينزفُ والخوفُ يملأُ قلبهُ، قالَ الأسدِ للثعلبِ: إِنَّ لمْ تأتينَ بهذا الحمارِ كنتُ أنتَ طعامي، رجعَ الثعلبُ ووجدَ الحمارُ جالسٌ حزينٌ فقدَ أملهُ في الخلافة وأذنهُ تنزفُ دماً،
قالَ الثعلبُ للحمارِ: لماذا انصرفت منْ حفلةِ التتويجِ؟ فقالَ الحمارُ: حفلةُ التتويجِ أَمْ حفلةِ الذبحِ والتمزيقِ؟ أتسخر منى؟ ألا ترى ما فعلَ بي الأسدِ؟ لقدْ قطعَ أذنايَ !! فقالَ الثعلبُ : تعبتني يا رجلٌ!! كيفَ يتوجكَ الأسد بتاجِ الملكِ فوقَ هذينِ الأذنينِ؟ كانَ لا بُدّ منْ قطعهما، لتلبسِ تاجِ الملكِ!!
قالَ الحمارُ : صدقتْ، هيا نعتذر للأسدِ، ونستكملُ مراسمَ التتويجِ. وقفُ الحمارِ أمام الأسدِ معتذر، مَدّ الأسدِ يدهُ ليفترس الحمار فاستدار الحمار فقطعُ ذيلِه، هربَ الحمارُ خائفٌ، وجرى الثعلبُ خلفهُ ولحقَ بهِ، قالَ لما انصرفت؟ أتعبتني.
قالَ ألمٌ ترى؟ قطعُ الأسدِ ذيلي،
قالَ يا صديقي كانَ لا بُدّ أنْ يقطعهُ كيفَ تجلسُ على كُرْسِيّ الملكِ بذيلِك هذا؟
قالَ الحمارُ: صدقتْ، ورجعَ للأسدِ للمرةِ الثالثةِ،
ولكنَ الأسدَ تمكنَ منْ رقبتهِ وقتلهِ، وأمرَ الأسدُ الثعلبِ أَنَّ يسلخُ الحمارُ ويأتيهُ بالقلبِ والرئةِ وَالْمُخّ، لطعامِ الفطورِ ويجعلُ الباقي لغذائهِ. ذهبَ الثعلبُ وأكلُ مُخّ الحمارِ وأحضرَ للأسدِ القلبِ والرئةِ، سألهُ الأسدُ: أينَ مُخّ الحمارِ؟ فقالَ: يا مولايَ هذا الحمارِ ليسَ لهُ مخٌّ، هل ترى إِنَّ كانَ لهُ مُخّ ما كان يرجعَ لمولايَ ثلاثَ مراتٍ متتاليةٍ؟.
قالَ الأسدِ: صدقتْ!!!!!
حُبّ السلطةِ والسلطانُ أطاحَ بكلٍّ منْ لا عقلَ لهُ وأورثهُ الضياعُ والفناءُ ولو لم تتمكن شهوة السلطان من قلب الحمار كان وعى الدرس من المرة الأولى وكان "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"