يوم الثلاثاء الساعه الثامنه مساءً.
دخل عمر إلى غرفة يحيى بعد أن فتحت له والدته باب المنزل ، وهو يعرف طريقه جيداً إلى غرفته، أغلق الباب خلفه و هو يراقب يحيى الواقف عند النافذه ممسكاً بمنظار يراقب به الشارع في صمت، قال عمر:
- " انت بتعمل ايه يا يحيى؟".
- " ما تخدش فبالك. المهم جبت اللي طلبته منك ؟"
- " أيوه يا سيدي قولت لملك أني أعرف واحد عنده سرطان في الدم و محتاج دوا ضروري بشكل انساني، بعد ما اتاكدت من خطورة الادويه اللي بتتاخد في الحالات دي، و اتأكدت أكتر أما حذرتني جامد جدا من الجرعه الزايده منه، وقالتلي قرصين بس لو اتاخدو مع بعض كافيين يوقفو عضلة القلب فورا، هو ما بيتصرفش غير بروشته بس هي اتصرفت و جابته من الصيدليه عندها".
أنزل يحيى المنظار من على عينه و استدار نحوه مبتسماً، فقد راق له كثيراً ما قاله, أمسك بشريط الدواء الذي كان عمر يمد به يده ليعطيه له ، ثم قال:
- " عظيم ،برافو عليك ".
- " زي ما قولتلك حبايتين بس من الدوا ده يتاخدو مع بعض عضلة القلب هتقف في خلال دقايق ".
- " ممتاز ! هو ده المطلوب ! في حاجه مهمه كنت عاوز أقولهالك".
- "اتفضل"
- " أنا فتحت لأمي حساب في البنك وهحولها فيه كل الفلوس اللي حوشتها ، عشان تلاقي حاجه تصرف منها أما أموت ، وكنت عاوز أوصيك عليها ابقى اسأل عليها متنسهاش".
- "لأ حنين و فيك الخير والله! و أما انت قلبك عليها أوي كده رايح تموت نفسك و تعيشها بحسرتها وحيده باقي عمرها ليه؟!"
- " لأ ما تقلقش مش هتعيش بحسرتها ولا حاجه ، دي هتتبسط جداً أما تخلص مني ".
- "ربنا يهديك يا يحيى ، أنا همشي قبل ما اتشل !".
ثم هبَّ واقفاً و هم بالمغادره ، لكن يحيى أمسك بذراعه في قوةٍ قائلاً:
- " هتمشي من غير ما تسلم عليا ؟ دا انت مش هتشوفني تاني! أنا آسف يا عمر أنا عارف اني تعبتك معايا كتير و انت أكتر واحد استحملني فحياتي ، شكراً على كل حاجه" . ثم عانقه و هو يربت على كتفه ، لم يتمكن عمر من السيطرة على لسانه أكثر، فقال في انفعال:
- " صحيح كل واحد حر فتصرفاته و هو لوحده اللي هيتحاسب عليها ، بس انت أكتر من أخويا و لازم أقولك ان اللي بتعمله ده غلط كبير أوي في حق نفسك ، و في حق أمك ، و في حق انسانه بريئه عاوز تدمرلها حياتها ، استغفر ربنا يا يحيى خلي الشيطان اللي راكبك دا يبعد عنك قبل ما تضيع أخرتك " ، ثم غادر مسرعاً.
اتجه يحيى نحو النافذه بخطوات هادئه، لا يبدو عليه أي تأثر بما قاله عمر للتو ، وضع المنظار على عينه ثم عاد لمراقبة الشارع , قضب بين جبينه و ظهرت علامات الغضب على وجهه جلية عندما رأى سيارة زوج هَنَا تدخل إلى الشارع ,ثم توقفت أمام منزلهم في خلال دقائق , تلاحقت أنفاسه في غيظ وهو يتابع هَنَا تنزل من السيارة وهي تمزح مع صغيرها و تضحك في سعادة، يتبعها زوجها يداعب طفله، يحمله و يقذفه في الهواء ثم يحتضنه مستمتعاً بضحكاته، ضغط على أسنانه من شدة الغيظ عندما رأى هَنَا تمسك بيد زوجها ثم يدخلان إلى العماره التي يسكنان فيها.
أنزل المنظار عن عينيه و غمغم في حقد:
- " هتكون دي آخر ليله ليكم سوا قبل ما أدمركم للأبد!". ثم ابتسم ابتسامة شيطانيه وهو يفكر فيما سيحدث غداً.
استيقظ صباحا على صوت والدته تصرخ مناديةً كعادتها كل صباح، تنعته بالفاشل الكسول الذي لا فائدة من وجوده في هذه الحياة في محاولةٍ يائسه لإيقاظه، فتح عينيه بصعوبه ثم نهض وغادرغرفته متجهاً للحمام ، وهو مستسلم تماماً لفقرة التوبيخ الصباحيه التي اعتاد عليها ، لكنه لم يرد بكلمه ولم يبدو عليه الاستياء على غير العاده، حتى أنها ظلت تحدق فيه بارتياب وهو يجلس على مائدة الطعام في هدوء دون أن يتشاجر معها أو يركل كرسيه بقدمه في عصبيه كما اعتاد أن يفعل، ثم قال بنبرةٍ هادئه:
- " متزعليش أنا هريحك مني خالص" ، ثم نظر إليها وابتسم ابتسامه لم تفهمها أثارت الخوف في نفسها ، فردت قائلةً:
- "مالك يا يحيى إنت كويس؟".
- " آه كويس جداً وعاوزك انتي كمان تبقي كويسه و مبسوطه"
أثارت كلماته المزيد من القلق و الحيرة في نفسها ، وزادت حيرتها أكثرعندما طبع على جبينها قبلةً بعد ان انتهى من ارتداء ثيابه ثم غادر المنزل في صمت.
ذهب إلى البنك أولاً لينهي بعض الإجراءات الخاصه بنقل أمواله إلى حساب والدته، وبعد أن انتهى اتجه نحو آخر الشارع في انتظار قدوم سيارة هَنَا، أخرج شريط الدواء من جيبه مسرعاً عندما شاهدها تقترب ثم ابتلع أقراص الشريط كلها دفعةً واحده ، وخرج أمامها فجأةً فلم تتمكن من تفاديه ، صرخت في فزع وهي تضغط بكل قوتها على مكابح السياره لكنها صدمته في النهايه ، وقع أرضاً وهو يشعر بدوارٍ شديد و نيران حارقه تسري في جسده الذي فقد الإحساس به في دقائق، ثمَّ أظلمت الدنيا في عينيه تماماً!!!!!!!!!!!!.