القائمة الرئيسية

الصفحات

اخر الاخبار

اليوم الأخير_ الجزء الاول


"أنا هموت يوم الأربع الجاي!".
قالها يحيى بنبرة جادة للغاية، التفت إليه عمر في فزع ثم ما لبث أن انفجر ضاحكاً وهو يقول:
- " طب ما تخليها الخميس عشان يبقى ويك إند و ابقى فاضي أدفنك".
قاطعه يحيى في عصبيه:
- " أنا مش بهزر على فكره أنا قررت انتحر يوم الأربع!".
اعتدل عمر في جلسته وقد بدأ يشعر أن يحيى لا يمزح، حدق فيه وقال مستنكراً:
- " إيه اللي بتقوله دا يا يحيى إنت اتجننت ؟!"
- "لأ ما اتجننتش يا عمر، أنا خلاص تعبت معدتش قادر أستحمل كل اللي بيحصلي فحياتي ".
- "تقوم تيأس من رحمة ربنا وتموت كافر!!"
هبّ يحيى واقفاً وهو يصيح في انفعال:
- "رحمة ربنا شامله الأحياء والأموات وربنا عالم بكل اللي شوفته طول عمري وأكيد هيسامحني ".
- " مش بمزاجك يا يحيى، عاوز ربنا يسامحك يبقى لازم تسمع كلامه "
قاطعه وقد احتدت نبرته أكثر:
- " إنت ما عشتش اللي انا عيشته عشان تحكم, من وانا لسه عيل صغير أبويا سابني و نسي ان كان ليه ابن فيوم من الأيام ,دا أنا نسيت شكله , وأمي بتعاملني على إني غلطة عمرها و السبب في كل اللي المعاناه اللي عاشتها من ساعة ما طلقها، حتى الإنسانه الوحيده اللي قولت خلاص هبدأ معاها حياة جديده و هتعوضني عن كل اللي فات ، خانتني و راحة اتجوزت جاري اللي ساكن في العماره اللي قصادي و ما اهتمتش حتى تعرفني هي سابتني ليه؟؟ كإني نكره مليش قيمه،  معدتش قادر أشوفهم و هما رايحين جايين كل شويه و شايلين ابنهم، لازم ادفعها التمن !".
ظل عمر لبرهه يحدق فيه دون أن ينبس ببنت شفه ، فتابع و قد بدأ يهدأ قليلاً:
- " أنا قررت انتحر واسيبها عايشه بتأنيب الضمير طول عمرها، لولا ابنها صعبان عليا كنت قتلتها قبل ما اموت نفسي، لكن انا رسمت خطه هتدمرها زي ما دمرتني".
ثم التف نحو عمر بحركة مفاجئة، انتفض لها جسده وهو يراقبه في ذهول، وقال:
- " و كنت عاوزك تساعدني ، لو مش ناوي قولي من دلوقتي و أنا اشوف حد غيرك!".
- " لا إزاي عيب متقولش كده احنا اخوات برضه ، تحب اضربك بالنار و لا ادبحك بالسكينه ؟!".
اشتعلت ملامح وجه يحيى في غضب، فتدارك عمر الموقف سريعاً بقوله:
- " خلاص! خلاص إهدا !  اتفضل قولي عاوزني أساعدك ازاي؟!"
- " عاوزك تسأل ملك اختك على دوا أما اخده بجرعه زايده يموتني علطول فخلال دقايق!".
أخذ عمر نفساً عميقاً وهو يحاول جاهداً السيطرة على أعصابه، ثم قال :
- " طب ما تحكيلي من الأول كده ، الخطه بتاعتك عباره عن ايه بالظبط؟!"
تردد يحيى قليلاً ثم قال :
- " أنا براقب هَنَا بقالي فتره طويله , يوم الأربع جوزها بيرجع متأخر من الشغل و بسيبلها العربيه عشان تجيب ابنهم من الحضانه ، دا اليوم الوحيد اللي بتخرج فيه لوحدها ، أنا هستخبى في آخر الشارع و أول ما اشوفها جايه هاخد الدوا ،وأول ما تقرب بالعربيه هخرج قدامها مره واحده فطبعا مش هتلحق توقف العربيه و هتخبطني ، عقبال أما الناس تتلم و يودوني المستشفى أكون مت، وتبقى هيا اللي موتتني".
لم يقوى عمر على النطق بحرفٍ واحد وظل محدقاً فيه في ذهول، تجاهل يحيى نظراته تماماً واستطرد قائلاً:
- " لو مش هتساعدني قول من دلوقتي وانا ادور على حد تاني اسأله".
فاجأه رد عمر كثيراً عندما قال بنبرةٍ هادئة:
- "حاضر هسأل ملك وأرد عليك". ثم انصرف مغادراً في هدوء.

عاد عمر إلى منزله وهو يشعر بحزنٍ بالغ، لم يشعر برغبة في الطعام فدخل إلى غرفته واستلقى على سريره في محاولةٍ يائسة للنوم لكن دون جدوى.
دخلت ملك الغرفة وجلست بجواره وهي تراقبه بتمعن قائلةً:
- "مالك يا عمر في إيه؟ من ساعة ما دخلت البيت وانت وشك غريب وما أكلتش في حاجه حصلت؟"
أطلق زفرةً حاره وقد قرر أن يلقي بهمه على مسامعها كعادته:
- " يحيى قرر يتنحر يوم الأربع الجاي".
شهقت في فزع، ثم قالت بانفعال:
- " ياما قولتلك يا عمر، يحيى مريض و محتاج يتعالج قبل ما يعمل مصيبه ، وانت كنت بتضحك عليا "
- " معاكي حق، أنا كنت بقول ظروفه اللي عايشها مخلياه كئيب شويه و بكره حياته هتتغير أما يرتبط و يبقى عنده ولاد، بس من ساعة ما هَنَا سابته و حالته بقت أسوأ بكتير ، كنت فاكرها مسألة وقت و هتعدي ، ما تخيلتش أبداً إنها هتوصل لكده!".
ثم أخبرها بما ينوي يحيى فعله، لاحظ دمعةً تحتبس في عينيها تحاول جاهدةً اخفاءها، فهو يعلم جيداً ما تكنه ليحيى من مشاعر، رغم أنه لم يعيرها أي اهتمام يوماً، تمالكت نفسها ثم قالت في مراره:
- " وعاوزني أنا اللي أخلص عليه كمان؟! لازم توديه لدكتور يا عمر ما تسيبوش يعمل الجنان اللي بيقول عليه ده ".
- "للأسف اتأخرنا جداً يا مَلَك ما بقاش ينفع دلوقتي".
- " لأ ينفع ! مفيش غير دكتور رأفت هو اللي هيعرف يساعدنا ، هو مجنون شويه صحيح بس أنا بثق فيه"
- "مين دكتور رأفت ده ؟ عرفتيه منين؟ ومجنون كمان احنا ناقصين جنان!".
- "قريب واحده صحبتي ، دكتور نفساني شاطر جداً تعالى نروحله بكره و نشوف هيقولنا إيه، لازم نتحرك بسرعه قدامنا تلات أيام بس".
- "ماشي أما نشوف".

في صباح اليوم التالي ذهبت مَلَك برفقة عمر إلى دكتور رأفت بعد أن طلبت من صديقتها تحديد موعد مستعجل للقائه، استقبلهم بحفاوه و جلس ينفث دخان سيجاره الباهظ الثمن وهو يستمع لعمر بانتباهٍ شديد حتى انتهى من حديثه ، ثم لمعت عيناه لمعةً توحي بتلك الفكره المجنونه التي تتنقل بين خلايا مخه الرماديه في تلك اللحظه، ثم ابتسم في ثقة قائلاً:
- " مش هو عاوز يموت ! خلاص هنموته!!!
تبادل عمر و مَلَك نظرةً تحمل مزيجاً من القلق و التعجب، فما سمعاه للتو لا يبشر بخيرٍ على الإطلاق!