أخبرته رانيا أنها في ذلك اليوم أثناء تناولها لطعام الإفطار أتى شخص إلى المطعم وأخبرهم بأن "كلاس اليوجا" سيبدأ بعد قليل ووعدهم بوجود مفاجأة لكل من ينضم إليهم، فقاطعها إيهاب في عصبيه:
- " يوجا؟! وانتي تفهمي إيه في اليوجا ان شاء الله عشان تروحي؟! ولا عمرك حضرتي كلاس يوجا فحياتك قبل كده؟!"
- "ما أنا عشان كده حبيت أجرب ولو كنت استنيتك كان هيفوتني، وانت أصلاً ما كنتش هترضى"
- "وهو كلاس اليوجا يقعد 3 ساعات؟!"
ارتبكت قليلاً وترددت في الإجابه ثم استطردت في حذر:
- "ما أنا مهما أقولك مش هتصدق لازم تجرب بنفسك! الوقت هناك بيعدي بسرعه غريبه كإنه بيفصلك عن الواقع تماماً"
أثارت كلماتها المزيد من عدم الارتياح الممزوج بالخوف في أعماقه لكنه قرر التغلب على مخاوفه والتحقق مما يجري بنفسه، فرد قائلاً:
- "ماشي يارانيا خليني معاكي للآخر وحسابنا بعدين، اتفضلي خلصي أكلك عشان نروح"
أنهيا طعامهما ثم غادرا متجهين إلى تلك القاعه في الدور السفلي التي لم يعرف عمر بوجودها من قبل، فقد كان بابها مغلقاً وغير مكتوب عليه أي شيء من الخارج، وبعيدة للغاية عن ضوضاء الباخرة ومن عليها، دخل إليها بخطواتٍ مرتجفه ليقف مشدوهاً لما تراه عيناه!، قاعة مظلمه يضيئها فقط الضوء المنبعث من شاشات عملاقه تحيط بالقاعة من كل اتجاه يظهر عليها رسومات غير مفهومة بالنسبة له، عباره عن خطوط ودوائر متشابكه تتحرك بلا توقف، جذبته من يده إلى منتصف القاعه ليتخذا مكانهما استعداداً لبدء "الكلاس"، دخل إلى القاعة رجل وعينيه مثبتةٌ على إيهاب على نحوٍ لافت للنظر، عرفه إيهاب ما أن وقعت عيناه عليه، إنه ذلك الرجل الذي كان يراقبه على السطح بالأمس!، سيطر على انفعاله بصعوبه وهو يغمغم:
- " أما نشوف أخرتها!!"
وقف الرجل أمام الجميع، فقال إيهاب مخاطباً رانيا:
- " مين ده؟!"
- "ده كابتن أسامه! المدرب"
- "لا والله" قالها والغيظ يشتعل من عينيه، ثم التفت نحوه ليجده يتبادل نظرةً عجيبه مع ذلك الرجل الأجنبي الذي كان يجلس في المطعم منذ قليل، وهو يبادله نفس النظره مع إيمائة من رأسه فهم أنها إشارة البدء ثم جلس على كرسي في أحد أركان القاعه، مع إشارته بدأت أصوات غريبه تتردد في القاعه تصدر من تلك الشاشات تبدو كمزيج من أمواج البحر ونغمات تتردد بشكلٍ منتظم، ثم بدأ كابتن أسامه -كما تسميه رانيا- بالحديث يقول كلمات غير مترابطه والجميع يردد خلفه، حاول إيهاب الانضمام لهم في ترديد الكلمات رغم عدم اقتناعه بكل ما يجري، ثم فجأةً انتفض جسده في فزع عندما بدأ كل من في القاعة بالبكاء في آنٍ واحد، ذُهل ناظراً إلى رانيا التي كانت تنوح بجواره على نحوٍ غير مفهوم، لم يستطع تمالك أعصابه ووقف صارخاً:
- " وقف المهزله دي حالاً!"
لكن يبدو أن أسامه كان في انتظار حدوث ذلك، فأشار بيده إلى رجلين كانا واقفين عند مدخل القاعه، فسارعا إلى الداخل وأخرجاه منها بالقوة وهو لا يتوقف عن الصياح، حاول العودة إلى الداخل ثانيةً لكنهما منعاه تماماً، انصرف راكضاً والغضب يشتعل بداخله متجهاً نحو قبطان هاشم، وقف يضرب بكلتا يديه على باب غرفته بقوه وهو لا يكف عن الصراخ، ففتح الباب وأدخله مسرعاً وهو يتمنى ألا يكون قد رآه أيٌّ من الركاب، جلس يراقبه في حذر وهو يقول في عصبيه:
- "إنت عارف كويس كل اللي بيحصل تحت!، أنا هوديك فستين داهيه لو مفهمتنيش إيه تفسير اللي أنا شوفته ده حالاً!"
ردَّ هاشم ببرود:
- "يا أخي من ساعة ما شوفتك وكنت عارف إنك هتجيبلنا وجع الدماغ، مع إن البروفيسور "روبرت" حذرني من دخولك القاعه لكن أنا أصريت كان عندي أمل أخلص من مشاكلك وخليت دكتور أسامه يقول لمراتك تجيبك معاها انهارده!"
أدرك إيهاب أنها لم تصحبه معها نزولاً على رغبته كما كان يظن، فزاد ذلك من غضبه وصاح في انفعال:
- "انطق حالاً وإلا هفضحك في الباخره كلها"
تدخل علاء في تلك اللحظه وقال في ضيق بعد أن تنهد تنهيده عميقه:
- "أنا مكنتش مرتاح من الأول وعارف انها هتخلص بمصيبه!، البروفيسور "روبرت" قالنا إنه عاوز يعمل تجربه على مجموعه من الناس ويسجل رد فعلهم بكاميرات عشان ياخدها معاه بلده، هو قالنا إن التجربه مفهاش أي ضرر على حد عشان كده وافقنا"
- "وطبعاً المقابل كان مبلغ محترم!"
تبادلا نظرةً تحمل مزيجاً من الخجل والأسف، ثم أردف قائلاً:
- "أنا برضه لسه مفهمتش حاجه، عاوز أفهم بالتفصيل التجربه دي عباره عن إيه"
- " أنا بعت لدكتور أسامه مساعد البروفيسور روبرت وهو زمانه جي هيفهمك كل حاجه"
لم يكد يتم عبارته حتى فُتح الباب ودخل منه أسامه وهو يبتسم في مكر، رمقه إيهاب بازدراء قائلاً:
- "اتفضل حالاً فهمني انتو عملتو إيه في الناس"
- "حاضر ياسيدي، البروفسور "روبرت" متخصص في البرمجه اللغويه العصبيه والتنويم الإيحائي، كان بيعمل أبحاث بقاله سنين عاوز يثبت بيها إن البرمجه اللغويه العصبيه هي علم حقيقي مش علم زائف زي ما هو متعارف عليه، التجربه ببساطه إنه يوصل العقل للحاله ألفا اللي هي بين الوعي واللاوعي، وبعدين يبرمجه بإنه يوجه لحاله نفسيه معينه، ويزرع فيه ذكريات مش حقيقيه تأثر على الحاله النفسيه العامه للشخص اللي بتتعمل عليه التجربه، أول جلسه كانت لازم تبقى طويله شويه لإنها بتحتاج شغل مع كل شخص لوحده عشان نهيأ عقله للي جاي، والجلسات اللي بعد كده بتكون أسهل بكتير ووصول العقل للحاله ألفا بيكون أسرع "
تذكر إيهاب في تلك اللحظه حديث رانيا عن جارتهم انتصار المفقوده، أمسك بتلابيب أسامه في انفعال قائلاً:
- "مش من حق حد يعمل تجربه على حد ويتلاعب بنفسيته و ذكرياته من غير إذنه، أنا هبلغ عنكم أول ما أوصل وهتتحاسبو كلكم"
قال القبطان هاشم محدثاً أسامه:
- "أنا نفسي أفهم اشمعنى البني آدم ده ما اتأثرش بالتجربه زي بقيت الناس؟؟!!"
- "عشان شكاك!! هو أصلاً داخل عشان يكشف اللي بيحصل عمر عقله مكان هيصدق أو يستجيب، وأنا حذرتك امبارح وانت مسمعتش كلامي!"
قال إيهاب وقد بدأ يهدأ قليلاً:
- " إنت هتسمع اللي هقولك عليه وهتنفذه بالحرف، التجربه دي تقف تماماً وإلا هفضحكم بين الركاب، وترجع الناس اللي عماله تعيط دي لحالتها الطبيعيه وخصوصاً رانيا مراتي، انت متعرفهاش أما بتبدي وصلة النكد، خلي اللي فاضل من الرحله يكمل على خير"
استجابوا لطلبه وجمعوا الأشخاص الذين خضعوا للتجربة صباحاً في جلسةٍ ثانيه ، قاموا بتهدأتهم، ليتابعوا برنامج الرحله في هدوء، لم يبدو على رانيا أنها قد استجابت تماماً للجلسه الثانيه فقد كان الحزن يظهر جلياً على وجهها وتبكي بين الحين والآخر بلا سبب، لم يشعر إيهاب بالتعاطف معها هكذا منذ زمنٍ بعيد.
استيقظا في صباح اليوم الخامس والأخير وقد قرر إيهاب أن يجعله يوماً مثالياً بحق، انهيا طعام الإفطار واتجها إلى سطح الباخره يستمتعان بالشمس الدافئه وأشعتها المنعكسه على سطح المياه في مشهد يبعث الراحة في القلوب، وأجواء من الهدوء تعم المكان، مرَّ من أمامهما همس ورامز فاقتربا منهما وجلسا يتبادلان معهما أطراف الحديث ثم شكرت همس إيهاب على مساعدته لها قبل أن ينصرفا، إلتفت نحو رانيا ليجدها تحدق فيه مضيقة حدقة عينها وتقول في عصبيه:
- "وإيه حكايتها بقى ست همس دي إن شاء الله اللي عماله تسلم عليك في الرايحه والجايه؟؟؟!"
حدَّق فيها في ذهول وقد أدرك أن العاصفة قد بدأت، فصاح قائلا:
- "يا بروفيسور رووبرت!!!!!!!!".