القائمة الرئيسية

الصفحات

اخر الاخبار

الأزمة الروسية الأوكرانية

بقلم: عمرو عادل عبدالكريم علي

تعتبر دولة أوكرانيا إحدى الدول المجاورة لجمهورية روسيا الاتحادية وتبلغ الحدود بينهما ما يقرب من 402 كيلو متر ولكن لم تكن العلاقة بينهما منذ تولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في الدولة الروسية علاقة جوار إنما كان للرئيس الروسي وجهة نظر أبعد من ذلك فيما يخص علاقة روسيا بأوكرانيا.
فالرئيس الروسي المتولي منصب الحكم منذ عام 2000 وصل به الحال إلى الهوس بفكره ضم أوكرانيا إلى الأراضي الروسية حيث أنه يعتز دائماً بالماضي العريق للاتحاد السوفيتي ويرى أن انهياره عام 1991 أكبر كارثة حدثت في القرن العشرين ولولا ذلك لما حصلت أوكرانيا على استقلالها ووفقاً لذلك فقد عَبر باللوم كثيراً على قادة الاتحاد السابقين على سماحهم لأوكرانيا بالانفصال.
فالرئيس الروسي وفقاً لما ورد عنه ومنه يعتز بالماضي أي فترة الاتحاد السوفيتي التي نشأ فيها وحصل فيها علي تعليمه ويتشابه في ذلك مع القائد الألماني هتلر الذي اعتز هو الأخر في شبابه بفكره الرايخ الألماني وسعى منذ وصوله للمستشارية الالمانية وسيطرته على السلطة في ألمانيا إلى تأسيس رايخ جديد وضم الألمان مره أخرى في دولة واحدة والقضاء على اليهود لأنهم وفقاً له السبب في هزيمة الألمان في الحرب العالمية الأولى ولكن في حالتنا هذه يحل بوتين محل القائد الألماني ويتعامل مع أوكرانيا معامله هتلرالتي أراد من خلالها ضم الأراضي الروسية أو التي هى جزء من الأراضي الروسية وانفصلت عنها من وجهه نظره.
فتعامل الرئيس الروسي مع أوكرانيا على أنها قطعة أرض مكمله لروسيا ولم يجب لها أن تحصل على استقلالها وما كان على القادة السوفييت السابقين السماح بحدوث ذلك فمنذ توليه السلطة وهو يتعامل مع أوكرانيا من هذا المنطلق ويتضح هذا الأمر من خلال مقاله كتبها الرئيس الروسي نفسه " حيث أنه يرى أن روسيا تعرضت للسرقة وأن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من روسيا وأن استقلالها مستوحى من أعداء روسيا الذين أستخدموه سلاحاً ضدنا ".
وعلى هذا الأساس عمل الرئيس الروسي على ضرورة إعادة أوكرانيا إلى الأراضي الروسية كما كانت من قبل إلى جانب ضرورة إبعادها كل البعد عن الغرب لذلك في عام 2004 أي بعد أربعه أعوام من تولي بوتين الرئاسة في روسيا وخلال الانتخابات الأوكرانية سُمم المرشح الأوكراني الموالي للغرب "فيكتور يوشتشنكي" في حين كانت روسيا تُدعم المنافس له والموالي لها ولكن بالرغم من ذلك فاز المرشح الموالي للغرب.
منذ ذلك الحين بدأت روسيا التعامل مع أوكرانيا من منطلق دعم الموالين لها ومحاولة التخلص من الموالين وأنصار التقرب من الدول الغربية إلى أن وصل الأمر في عام 2014 بضم روسيا جزيرة القرم الأوكرانية لأراضيها وأصبحت تحت السيطرة الروسية إلى جانب ذلك دعمت انفصاليين موالين لها داخل أوكرانيا.
وتعتبر جزيرة القرم إحدى أهم وأكثر المناطق المتنازع عليها تاريخياً بين روسيا والدولة العثمانية والدول الأوروبية الكبرى لما لها من أهمية استراتيجية بالنسبة لهم جميعاً وبالأخص للدولة الروسية.
فالجزيرة البالغ مساحتها 26000 كيلو متر الكائنة في البحر الأسود ذات المقربة من مضيقي البسفور والدردنيل اللذين يربطان البحر الأسود بالبحر المتوسط من جهة والقوقاز من جهة أخرى.
ووفقاً للتاريخ كان يُعني للروس أن عملية ضم جزيرة القرم مفادها السيطرة على البحر الأسود والمناطق المُطله عليه وبدون هذا الفعل لما أصبحت روسيا دولة عظمى في عهد الإمبراطورة الروسية كاثرين الثانية وتُعتبر القرم رأس جسر هام للتوغل إلى الشرق الأوسط من جهة وأسيا من جهة أخرى.
فمنذ عام 1783 كانت القرم تحت السيادة الروسية بقيادة الامبراطورة كاثرين الثانية بعد انتصار روسيا على الدولة العثمانية ولكن اّل بها الوضع بعد تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال أوكرانيا إلى أن أصبحت جزء من الأراضي الأوكرانية ولكن مع تولي الرئاسة الروسية بوتين الساعي لإحياء التاريخ السوفيتي وإلى عودة روسيا لمد نفوذها على دول الجوار وجعل روسيا كدولة عظمى مرة أخرى لتصبح الند بالند للولايات المتحدة الأمريكية رأى وجوب إعادة ضم القرم للأراضي الروسية نظراً لأهميتها الموضحة.
ولكن في نهاية هذا العام يكاد يصل الأمر إلى ذروته بين كل منهما حيث أن الرئيس الروسي ما زال رافض بشدة فكره التقارب الأوكراني الأوروبي وفقاً لاعتباره أن أوكرانيا جزء من الأراضي الروسية ولما استشعره بخطر وجود أوروبي غربي على الحدود الغربية للدولة الروسية الأمر الذي يهدد بشكل صريح الأمن القومي الروسي فانضمام أوكرانيا لحلف الناتو يقلق بشدة الدولة الروسية لأن هذا الأمر يُعني أمور عده منها تسليح أوكرانيا بسلاح غربي وتدريبات عسكرية أوروبية أوكرانية والدفاع عن الأراضي الأوكرانية في حال تم الإعتداء عليها ونزول قوات غربية داخل الأراضي الأوكرانية حيث أن أوكرانيا ستصبح جزء من الناتو الذي يقوده بالاساس الولايات المتحدة الأمريكية العدو الأساسي للدولة الروسية وهذا الأمر بالنسبة لروسيا لا يقل خطورة عن خطورة وجود أسلحة سوفيتيه داخل كوبا على مقربه من الحدود الأمريكية بالنسبة للأخيره.
فكما أنه حدثت أزمة بسبب وجود هذه الأسلحة في كوبا لانها تهدد بشكل أساسي الأمن القومي الأمريكي أيضاً انضمام اوكرانيا للناتو يمثل تهديد أساسي للأمن القومي الروسي ويضرب طموح الرئيس الروسي في مقتل.
لذلك قام الرئيس الروسي بحشد القوات الروسية قرب الحدود الاوكرانية ووصل به الأمر إلى حشد أكثر من 175 ألف جندي روسي وفقاً لتقديرات المخابرات الأمريكية ووفقاً لصور الأقمار الأصطناعية شمل التسليح دبابات قتالية ومدفعيات ذاتية الحركة ومركبات قتالية مخصصة للمشاة.
وترجح أوكرانيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية أن روسيا تستعد لشن هجوم عسكري واسع النطاق في يناير القادم وفي المقابل تقول روسيا أن أوكرانيا تحشد قوات ضخمه على حدود منطقة دونباس " منطقة شرق أوكرانيا يحظر فيها استخدام اسلحة متطورة وفق اتفاق وقف اطلاق النار في مينسك قبل 6 سنوات وبها اشتباكات بين انفصاليين مدعومين من روسيا والقوات الأوكرانية".
ولكن ما يهمنا في الوقت الحالي معرفة ما هو رد الفعل الغربي في السيناريوهات الثلاثه في الحالة التي نشهدها الأن من الأزمة بين الدولتين.
فالموقف الروسي شبيه بالموقف الألماني بقيادة هتلر حيث استغل هتلر ضعف الدول الاوروبية وعدم رغبتهم في شن حروب والدخول في مواجهة معه وأخذ يفرض سيطرته على دول الجوار بحجه وجود ألمان يعيشون داخلها وأستولى على الدول واحدة تلو الأخرى إلى أن وصل الأمر إلى عدم موافقة الدول الغربية على ضمه لبولندا بعد أن كان ضم عدد من الدول لسيطرته وكان قادة الدول في ذلك الوقت ليس لديهم رغبه في دفع اقتصادهم للتدهور مرة أخرى والعودة إلى ويلات الحروب مجدداً خاصة وأن الحرب العالمية الأولى كانت منتهيه من فتره قريبه ومن هنا يتضح لنا أنه في حين ضمت روسيا شرق أوكرانيا أو أوكرانيا كامله بعد ضم القرم سابقاً دون حدوث أي تحرك ملحوظ قد تتمثل رد الفعل الغربي فيما يلي وهو فرض عقوبات مشددة على الدولة الروسية دون حدوث مواجهة مباشرة مع الجانب الروسي وتسليح القوات الأوكرانية بالسلاح الغربي وقد يصل الأمر إلى أقصاه وهو إرسال أعداد محدودة من القوات الغربية للأراضي الأوكرانية ولكن روسيا تحذر أن الرد سيكون عسكري في حين واصل الناتو تسليح اوكرانيا وتتعامل روسيا بشكل جدي مع الملف الاوكراني لذلك إن حدث غزو روسي سواء جزئي أو كلي سيكون أقصى ما قد يفعله الغرب هو إرسال أعداد محدودة من القوات الغربية للأراضي الروسية.
فالدول الأوروبية والولايات المتحدة يعيشان ظروف اقتصادية صعبة بسبب تفشي فيروس كورونا وتدهور الاوضاع الصحية واستمرار اثار الاغلاق الاقتصادي وليسوا على استعداد في الوقت الحالي على الدخول في مواجهة مع روسيا في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ولن تسمح لهم شعوبهم في الوقت الحالي بمثل هذا الفعل فالاولى بالحكومات الغربية معالجة اثار الفيروس وتفشيه داخل أراضيهم ومعالجة النظم الصحية المتدهورة وإيجاد حلول جوهرية لمعالجة سوء الأحوال المعيشية التي تضررت نتيجة لحالات الاغلاق الاقتصادي الكامل التي عاشتها أغلب دول العالم.
بينما على الجانب الأخر قد يكون هذا هو الوقت المناسب للرئيس الروسي بوتين لتحقيق مطامعه الساعي لتنفيذها منذ توليه الرئاسة الروسية منذ 21 عام.
وقد يكون الغرض من عملية الحشد ليس الغزو وهو السيناريو الثالث حيث أراد بوتين أن يرسل رساله للغرب يحذرهم فيها من مخاطر انضمام أوكرانيا للناتو وتهديدهم للأمن القومي الروسي وأنه قادر على صد هذا التهديد والخطر والدفاع عن الأمن القومي الروسي بكل ما أوتي من قوة وعدم سماحه لدولة الجوار بالانضمام لهم وأن الدولة الروسية متمثله في قواتها المسلحة قادرة على التعامل مع أي خطر وتهديد حتى وإن كان هذا الخطر قادم من دول الغرب الرأسمالي وأن القوات المسلحة الروسية على أتم الاستعداد للردع والدفاع.
ولكن وجهة نظري قد تكون متشائمة إلى حد ما وأتوقع حدوث سيناريو الغزو سواء كان كلي أو جزئي نظراً لتوافر معطيات دولية قد تسمح بحدوث ذلك متمثله في ضعف الدول الغربية وعدم قدرتهم على الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا في الوقت الحالي نظراً لما سببه فيروس كورونا من تردي في الأوضاع الاقتصادية ونظراً لسوء الأحوال المعيشية لشعوب الدول الغربية في الوقت الحالي وانخفاض شعبية الرئيس الأمريكي بايدن وفقاً لاستطلاعات الرأي نتيجه لسوء تعامل إدارته مع ملف أزمة كورونا وارتفاع أسعار الطاقة عالمياً لما لهما من انعكاس سلبي ورئيسي على حياة المواطن الأمريكي وظهور متحور جديد للفيروس وتفشيه مع احتمال حدوث حالات إغلاق أخرى.
فكل هذه الظروف تدفع الشعوب الغربية لعدم السماح لحكوماتهم بالدخول في مواجهة غير مباشرة في الوقت الحالي مع روسيا مع إستحالة إقدام الدول الغربية على الدخول في مواجهة مباشرة بالاساس مع الدولة الروسية.
أيضاً يحل في نهاية ديسمبر الحالي والاول من يناير القادم الذكرى 22 لتولي بوتين الرئاسة الروسية أولاً بالإنابه عن الرئيس المستقيل إلى أن انتُخب في مارس 2000 وتولى منصبه في مايو فقد تكون ذكرى تولي بوتين الرئاسة وفقاً لسمات شخصيته المتعزة بالماضي السوفيتي الساعية لإحياء التاريخ السوفيتي مره أخرى وجعل روسيا دولة عظمى من جديد هو التاريخ المناسب لزيادة رقعة الاراضي الروسية من خلال ضمه لأوكرانيا الشاردة عن أصلها "من وجهة نظره" بعد حصوله على شبة جزيرة القرم سابقاً وإعادتها للسيادة والنفوذ الروسي.
وفي النهاية ما علينا سوى الانتظار لنرى ما سيحدث في قادم الأيام.