بقلم: عمرو عادل عبدالكريم
منذ نشأة دولة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية العربية وكان أحد أهدافها في البداية التقرب للدول الكبرى للحصول على تأييد وشرعية واعتراف بها وذلك للدخول في منظمة الأمم المتحدة وكان هذا الأمر ذات أهمية قصوى للدولة الإسرائيلية ثم بعد أن استقر لها الأمر أتجهت لبناء علاقات خارجية مع دول الجوار المتمثلين في دول القارة الافريقية ولا يخفى علينا أن المشروع الصهيوني كان قد طُرح إقامته على أراضي دولة أوغندا الدولة الافريقية الواقعة في وسط القارة الافريقية وإحدى دول حوض نهر النيل ويعتبر هذا تأكيد على أن القارة الافريقية كانت في أذهان مؤسسي المشروع الصهيوني لأهمية القارة بأكملها بالنسبة لهم ولتقارب ظروفها مع الرغبات الصهيونية الطامحة في إنشاء دولة الكيان الصهيوني.
فمنذ نشأة دولة إسرائيل وهى مهتمه بالقارة الافريقية بشكل عام وبالشرق الافريقي بشكل خاص وتعتبرها منطقة حيوية بالنسبة لها فإسرائيل تنظر إلى منطقة القرن الافريقي على أنها المنطقة الأكثر أهمية لأمنها وبقائها وبالتالي عليها التواجد فيها بشكل أساسي والسيطرة عليها لذلك منذ الخمسينيات كانت ترى إسرائيل أن الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي هو الحليف الأهم لها حيث أن دولته كانت الأكبر أقتصادياً والأكثر قوة عسكرياً في منطقة الشرق الافريقي.
ومع بدأ إسرائيل السعي لبناء علاقات مع دول القارة الافريقية استغلت الاحداث السياسية المشتعله بين أطرافها وقدمت الدعم العسكري كما حدث في دعمها لدولة زائير "جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً" في حربها ضد الحركة الشعبية لتحرير أنغولا عام 1975 وأيضاً دعمها الذي قدمته للحركة الشعبية لتحرير الجنوب السوداني عن دولة السودان ومساعدتهم في بناء جيش جديد لهم وتدريبهم إلى جانب تقديمها الدعم العسكري في هاتين الحالتين قدمت الدولة الإسرائيلية الدعم الاقتصادي والامني والتكنولوجي لعديد من الدول القارة.
ولقد أعتمدت إسرائيل على إستراتيجية دعائية وقدمتها للدول الافريقية أنها قادرة على تخليصهم من الجوع وذلك من خلال الجمع بين التكنولوجيا الاسرائيلية وبين وفره الموارد الطبيعية في القارة ومن هذا المنطلق سعت الدولة الاسرائيلية لإحداث تعاون أمني أو اقتصادي مع دول القارة السمراء وأنها هى النموذج التنموي الفريد وعليهم الأخذ به والتعامل معه حتى يَعُم عليهم الرخاء ويحققوا التنمية والتقدم.
وتحظى الدولة الاسرائيلية بعلاقات ثنائية فريدة مع عديد من الدول الافريقية مثل غانا وأوغندا وأنجولا ونيجيريا نظراً لامتلاكهم ثروات طبيعية ضخمة إلى جانب ذلك جنوب أفريقيا التي دعمت المشروع الصهيوني في فلسطين وأثيوبيا حيث تعتبر هى البوابة السياسية لها في أفريقيا إلى جانب ذلك تُعتبر دولة كينيا هى البوابة التجارية لها في القارة وتعتبر سنداً لها في الأسواق العالمية.
وتمثل هدف إسرائيل من خلال سيطرتها على الدول الافريقية استغلالهم سياسياً لصالحها سواء كان ذلك في صراعها مع العرب أو فيما ترغب في القيام به من خلال حصولها على نسبة تأييد كبيرة في المحافل الدولية خلال عمليات التصويت حيث إن القارة الافريقية لها مكانه وثقل كبير في المنظمات الدولية والأمم المتحدة فوفقأً لتصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بن غورويون أكد على أن "الدول الأفريقية ليست غنية ولكن أصواتها في المحافل الدولية تعادل في القيمة تلك الخاصة بأمم أكثر قوة" وتملك الدول الافريقية وفقاً للتمثيل القاري 32% من مجموع الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتستغل إسرائيل الجاليات اليهودية في الدول الافريقية مثل يهود الفلاشا في أثيوبيا والجالية اليهودية في جنوب أفريقيا والتي تعد من أغنى الجاليات اليهودية في العالم لتوجيه العلاقات الاسرائيلية الافريقية وتخطيطها وتحقيق مصالحها والتأثير على الأنظمة الأفريقية.
وتأكدت أهمية القارة الأفريقية بالنسبة لدولة الكيان الصهيوني أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو" من خلال قيامه بجولة أفريقية عام 2016 حيث قام بزياره أربع دول أفريقية "رواندا- أثيوبيا- أوغندا- كينيا" وكانت الجولة تحت شعار "إسرائيل والعودة لأفريقيا" فالقارة تمثل لها حليف استراتيجي لا يمكن الاستهانه به وقبل زياره نتنياهو كانت هناك جولات لوزير الخارجية الإسرائيلي السابق ليبرمان في عدد من الدول الافريقية في عام 2014 حيث قام بزياره "رواندا- ساحل العاج- غانا- أثيوبيا- كينيا".
وسعت إسرائيل بشكل دائم على تقديم طلبها لتصبح عضو مراقب في الاتحاد الافريقي فهي في هذا الأمر كانت تأمل في الحصول على الاستفادة والدعم البلوماسي الافريقي وأعتمدت على حلفائها في القارة الافريقية من أجل تحقيق رغبتها وهو بالفعل ما تحقق في شهر أغسطس من العام الجاري حيث تحققت الرغبه الاسرائيلية وتم قبولها بصفة عضو مراقب وعقبت الحكومة الاسرائيلية على هذه الخطوه بأن إسرائيل لديها علاقات مع 46 دولة أفريقية من أصل 55 دولة وأن حلفائها قدموا طلبات لضمها للاتحاد بصفة مراقب.
ولقد تم قبول دولة الكيان الصهيوني من قبل رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي وهو "موسى فكي" رئيس وزراء تشاد السابق ووزير خارجيتها ويُعتبر قراره أثار جدلاً واسعاً داخل الاتحاد الافريقي نظراً لكونه أُتخذ بشكل منفرد وأن جميع الطلبات التي قدمتها إسرائيل سابقاً قد رُفضت وبالرغم من حدوث اعتراضات كبيرة داخل الاتحاد الافريقي على هذا القرار إلا أن إسرائيل هى المستفيد الوحيد منه فهى استغلت علاقتها الدبلوماسية الحديثة مع دولة تشاد التي حدثت عام 2019 وأن رئيس المفوضية تشادي الأصل وقامت بالضغط للحصول على الموافقة وهو ما حدث بالفعل وتم منحها صفة المراقب بشكل منفرد دون العودة لباقي الدول ولا شك أن هناك عديد من الدول الافريقية الداعمة لهذا القرار إلى جانب أن الدول العربية رافضه له نظراً لتأثيره على القضية الفلسطينية ولخطورته على العالم العربي.
ولكن يتضح في النهاية مدى أهمية القارة الأفريقية بالنسبة للدولة الإسرائيلية فلقد قامت بتقديم طلبات للانضمام عام 2013 و2015 و2016 ولكن تم رفض جميع الطلبات ولكن من خلال العلاقات الحديثة التي قامت بها دولة الكيان الصهيوني في السنوات الاخيرة سواء كانت العلاقات مع دول أفريقية وليست عربية أو دول عربية - افريقية تمكنت إسرائيل من الحصول على مُرادها وتحقيق هدفها وأن تحقق مصالحها السياسية المتمثله في الحصول على تأييد كبير على المستوى العالمي من حلفائها الكُثر من داخل القارة إلى جانب التأثير في المنطقة العربية من خلال علاقتها مع حلفائها وتواجدها الدائم داخل غرف صنع القرار الخاص بالدول الافريقية وبجانب المصالح السياسية تحقق مصالحها الاقتصادية من خلال استغلال وفره الموارد الطبيعية وتوفير سوق للتكنولوجيا الخاصة بها وسوق للسلاح الاسرائيلي وتقنيات الأمان والمراقبة والتعدين والطاقة والبنية التحتية فالقارة الافريقية بمثابة غنيمة كبيرة للكيان الصهيوني لا يجب التفريط فيها ولا الاستهانه بها ولا التقليل من شأنها.